وأما معاملة النبي e لمن يخدمه وحاله معهم :
فإنه e لم يكن يلوم ويعاتب خدمه ..
فعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ e الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ e
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ
فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَا قَالَ
لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا ، وَلَا لِشَيْءٍ
لَمْ أَصْنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا ([1]) .
فهل يمكن للواحد منّا أن يمر عليه يومٌ واحد فقط بدون أن يتوجه فيه بالعتاب للخادم ؟!
وكان e يقيل عثراتهم ، ويضاحكهم ..
قَالَ أَنَسٌ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e
مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ،
فَخَرَجْتُ حَتَّى مررت عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ،
فلعبت معهم ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ e
قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي. قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ
يَضْحَكُ، فَقَالَ:«يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ»؟ قَالَ:
قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ([2]) .
وكان e يسأل الخادم عن حاجته ..
فعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ e رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ e
مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: «أَلَكَ حَاجَةٌ»؟ قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ
يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَاجَتِي. قَالَ :«وَمَا حَاجَتُكَ»؟
قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ :«وَمَنْ
دَلَّكَ عَلَى هَذَا»؟ قَالَ: رَبِّي. قَالَ :«إِمَّا لَا فَأَعِنِّي
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» ([3]) .
وكان e يراعي مشاعر من يخدمه ..
ومما يبين ذلك حديث أبي هريرة t عن النبي e
قال :«إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ
يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ
وَلِيَ حَرَّهُ وَعِلَاجَهُ» ([4]) .
العجيب أن يلتفت إلى هذه المسائل التي نعدها أموراً صغيرةً، ولكنْ لها أثر كبير في النفس، وهو مشغول بقضايا أمة بأكملها !
وكان e لا يرضى أن يُضرب الخادم والمملوك ..
قَالَ أَبُو
مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي بِالسَّوْطِ،
فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي :«اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ»، فَلَمْ
أَفْهَمْ الصَّوْتَ مِنْ الْغَضَبِ. فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ
رَسُولُ اللَّهِ e،
فَإِذَا هُوَ يَقُولُ:«اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا
مَسْعُودٍ». قَالَ: فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي، فَقَالَ :«اعْلَمْ
أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا
الْغُلَامِ». فَقُلْتُ: لَا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا ([5]) .
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله e يقول:«مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ» ([6]) .
وأوصى e بهم خيراً ..
فمن آخر وصاياه وهو في فراش الموت :«الصلاةَ وما ملكت أيمانكم» ([7]) .
[1] / البخاري (2561) ، ومسلم (2309) .
[2] / مسلم (2310) .
[3] / أحمد (15496) وأصله عند مسلم (489) .
[4] / البخاري (2370) ، ومسلم (1663) .
[5] / مسلم (1659) .
[6] / مسلم (1657) .
[7] / ابن ماجة (1614) .
