إخوتي.. أجمل ما في المقال: يا شيخنا القرضاوي...نشهد أننا نحبك..
فما أجمل من العلم إلا أدب العلماء..
الشيخ القرضاوي ومصافحة النساء
د.صلاح الخالدي
فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عالم جليل، وكاتب كبير، وداعيةٌ ناجح، له "حضور" دعوي وعلمي وإعلامي ملحوظ، وله "مواقف" مشهودة، وله منزلة علمية ودعوية سامية، وتلاميذه ومحبوه ينتشرون في مختلف بلاد العالم.
وأنا من هؤلاء المحبين لفضيلته، والمعجبين بجهوده، ومواقفه، وأكن له في نفسي الكثير من التقدير والإحترام.
ورغم اعترافي بهذه المزايا لفضيلته إلا أني اعتقد أنه ليس "معصوما"، وأنه وقع في "أخطاء علمية وفكرية وفقهية، و"أخطأ" في بعض أقواله وفتاويه.. وأقرر أن أخطاءه في هذه الأقوال والفتاوى، "قليلة" ومعدودة، إذا وضعت إلى جانب المسائل والأمور الكثيرة التي وُفق فيها إلى الصحة والصواب.
وأنا من أنصار عدم " تكبير" الأخطاء القليلة، لأي عالم أو مفكر أو داعية، لتغطي على المساحات الواسعة للصواب والصحة، كما يفعل بعضهم!!
وكما أنني لست من أنصار "حزب التبرير" الذين يبررون أخطاء "شيخهم" ويرافعون عنه وعنها، ولا يسجلون عليه أي خطأ، وإن كان بارزاً مكشوفاً.
وإن اعتراضنا على فضيلة الشيخ القرضاوي في بعض أقواله الخاطة "شهادة" تقدير له، واعتراف منا بفضله وعلمه، وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه!
قبل أيام كنت أتابع برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة مع فضيلة الشيخ القرضاوي، وتكلم في البرنامج كلاماً كثيراً طيباً صواباً، جزاه الله خيراً.
لكن الذي فاجأني وصدمني "فتواه" بجواز مصافحة المرأة الأجنبية!
لقد خالف فضيلته في هذه "الفتوى الخاطة" العلماء والفقهاء الكثيرين، الذين قالوا بحرمة مصافحة المرأة الأجنبية غير المحرمة على الرجل، وهذه المسألة شبه مجمع عليها عند الفقهاء والعلماء، وما وجدت قولاً لرسول الله صلى لله عليه وسلم ولا لصحابي ولا لتابعي ولا عالم معتبر يقول بجواز المصافحة إلا في هذا العصر العجيب، حيث قال بعض المشايخ بجوازها، ومنهم شيخنا القرضاوي سامحه الله.
وتعجبت من "تأويل" القرضاوي لبعض الأحاديث المحرِّمة لمصافحة النساء.
منها حديث أميمة بنت رقيقة، رضي الله عنها، الذي رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد، قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نساء لنبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن: ألا نشرك بالله شيئاً، وقال: "فيم استطعتن وأطقتن.." قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا. ثم قلنا: يا رسول الله: ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء"!
علق القرضاوي على هذا الحديث الصحيح بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء لأنه لا يرغب في ذلك، فتركها "تنزهاً"، وليس لأنه حرام، وقال: ما كل ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حراماً، فقد يترك بعض المباح.
ونقول: لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المقام مشرعاً، يقرر حكماً شرعياً، وليس مجرد متنزه عن فعل المباح، لأنه انضم إلى هذه الحادثة التشريعية حوادث أخرى كان صلى الله عليه وسلم يقرر فيها حرمة مصافحة النساء!
ومن هذه الحوادث ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن المؤمنات بهذه الآية: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك..." فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها كلاماً، لقد بايعتك، ولا والله ما مست يده يد امرأة في المبايعة قط.
والحديث صريح في أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع النساء كلاماً، بقوله لكل واحدة منهن: "قد بايعتك على ذلك" وهو صريح أيضاً قي أنه لم يصافحهن، ولم تمس يده يد واحدة منهن، وأنه لم يصافح امرأة من غير أزواجه وغير المحارم حتى لقي الله..
ولو جازت مصافحة النساء الأجنبيات؛ لصافح الرسول صلى الله عليه وسلم كل واحدة من المؤمنات عند المبايعة، لأن مقام المبايعة عظيم مشهود، ولأنهن طلبن أن يصافحهن فأخبرهن بحرمة المصافحة!!
والعجيب الغريب في "تأويل" القرضاوي لهذا الحديث الصحيح الصريح أنه حمل "المس" فيه على "الجماع" وقال سامحه الله، نعم، ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لا تحل له، أي: ما جامع امرأة لا تحل له!!
لقد تعجبت كثيراً من حمل الشيخ سامحه الله المسّ على الجماع، وكأن المسألة تحتاج إلى نفي، وكأن بعض المسلمين قد يظن أنه يمكن للسول صلى الله عليه وسلم أن يمس أو يجامع ويعاشر امرأة لا تحل له، فتأتي عائشة رضي الله عنها وتزيل هذا الظن، وتقسم يميناً أنه لم يمس ولم يجامع امرأة لا تحل له!!
ثم إن نص كلام عائشة رضي الله عنها هو: "لا والله، ما مست يده يد امرأة قط" فاليد مذكورة بصراحة، لنفي احتمال المسيس والجماع، ولأن اليد تصافح ولا تجامع!!
وعندما لم يجد الشيخ حديثاً صريحاً في مصافحة رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء، ناقش الموضوع مناقشةً "عقليةً واجتماعية" واستشهد على جوازها بما حصل معه" شخصياً" وذكر على ذلك حادثتين:
الأولى: عندما قدم فيها من سفر، وذهب إلى قريته في مصر؛ اجتمع الناس ليسلموا عليه فرحين بقدومه، ومصافحين له، وكان مَن مددن ايديهن لمصافحته من قريباته، كامرأة عمه، وبررَ مصافحتها قائلاً، لقد مدّت يدها لتصافحني؛ فمن غير اللائق أن أردَ يدها!!
الثانية: قال: كنا نلتقي في كلية الشريعة في جامعة قطر بعد عطلة العيد –عيد الفطر أو عيد الأضحى – ليسلم بعضنا على بعض، و"يعايد" عليه، وكان معنا في الهية التدريسية بعض زميلاتنا من المدرسات، وكانت تمد يدها لتصافحني و"تُعيد" علي، فماذا سيكون موقفها لو قبضتُ يدي ولم أصافحها؟!
لما سمعت هذه التبريرات قلت: سامح الله فضيلة الشيخ؛ لقد ذهب بعيداً!! وقال كلاماً قد يصدر عن أناس عاديين في تبرير المصافحة، ولكنه لا يصدر عن عالم جليل في مستوى ومنزلة فضيلته!!
ومن باب الأمانة وعدم الإفتراء على الشيخ أقول: لم يقل بجواز مصافحة النساء مطلقاً، وإنما وضع شرطين لجوازها:
الأول: وجود ضرورة تدعو لذلك ...
وأقول: ما هي الضرورة التي تدعوني إلى مصافحة المرأة؟ هل من الضرورة أن أصافح قريباتي وجاراتي عند قدومي من السفر، أو قدوم احداهن من السفر.. وعندما تعرف قريباتي _وأقول عن نفسي_ أني لا أصافح النساء، فإنها لا تحرج نفسها، ولا تمد يدها.
ثم إن كل النساء والفتيات الملتزمات يعرفن أن المصافحة حرام، ولا يمكن لإحداهن أن تمد يدها للمصافحة، وإذا مدَّ الرجل لإحداهن يده فإنها لا تتحرج من أن "تكسفه" وتردَّ يده.
ولو قال الشيخ بأن الضرورة قد تدعو المرأة لعلاج الرجل، و"مس" جزء من جسمه للعلاج، فهذا مباح للضرورة؛ لوافقناه على ذلك، أما في المصافحة فلا!.
الثاني: أمن الفتنة وامتناع الشهوة..
فإذا خشي الوقوع في الفتنة واستيقاظ الشهوة، فلا تجوز المصافحة.
وأقرر أن هذا الشرط "غير ضابط" لأن معيار الشهوة يختلف من رجل لآخر، ومن امرأة لأخرى، والحديث يقول: "ما تركت فتنة أشد على الرجال من النساء"، وما من رجل وضع يده يبد امرأة غير محرمة برهة من الزمن إلا واحس بدفئها الشعوري، ونعومتها التحسسية، وهذه فطرة في الرجال والنساء!
والأصل في الإسلام هو "سد الذريعة" وإغلاق الطرق والأبواب، والنوافذ الموصلة للفتنة.
أعتذر عن إطالة هذه المناقشة العلمية الهادة، مع شيخنا المفضال، والتي حرصت أن أمزج كل كلمة منها بكل الأدب والذوق، والتأدب الجم مع فضيلته، فالذي دفعني إليها هو سماع ومشاهدة كثيرين لها عبر قناة الجزيرة وواجبنا هو النصح والبيان!!
يا شيخنا القرضاوي...نشهد أننا نحبك، ولكن محبتنا للحق أكثر، ولا يمنعنا حبنا لك من أن ننتقدك بأدب، ونرفض ما وقعت فيه من خطأ، ونرده عليك باحترام.. ولا يصافح رحل امرأة لا تحل له، ولا تصافح امرأة رجل لا يحل لها، مهما كانت المبررات!!
الدكتور صلاح الخالدي..